Skip to main content

الدنيا مش وردي يا محمد

من سنتين بالضبط أول ما دخلت الكلية كنت بقول لخالي "كلها خمس سنين أخلص الكلية و أسافر إن شاء الله" كان دايماً يبصلي و يضحك و يقولي 'مُشكلتك إنك شايف الحياة وردي و سهلة جداً، لو سهلة مكنش حد شقي و تعب؛ عشان محدش بيحب الشقىَ .. ربنا سبحانه و تعالى بيقول *لَقَدۡ خَلَقۡنَا الۡإِنسَانَ فِى كَبَدٍ* و دايماً يُقال إن الدنيا دار شقاء .. فبلاش تشوفها كده عشان متتصدمش'
طبعاً أنا -بطبيعتي الجدالية- كنت بقوله "مش معنى كده يا خالو إن أنا استصعبها و أشيل الهم و متمتعش بحياتي، و بكره إن شاء الله لما اتخرج و اسافر هتعرف إن كلامي ده صح.
'يابني السفر ده هتدفع تمنه غُربة و بعد عن أهلك و سنين من عمرك بتتسرق و انتا بعيد عنهم مش عارف باللي فيهم .. ده غير إن المعاملة بره غير هنا خالص .. الدنيا مش سهلة زي مانتا فاكر ..'
"يا خالو اتخرج الأول و بعد كده ربنا يعدّلها من عنده  إن شاء الله"
'ربنا معاك يا محمد'
بمجرد ما دخلت الكلية و مع أول سنة شوفت اللي بيحصل لصحابي و ناس قريبيين مني و كنت بزعل جامد .. بس مهما كان الزعل عُمره ما هيكون قد الزعل اللي هتزعله و القهرة اللي هتحسها لما تبقى المصايب دي بتحصلك انتا !!
بدأ أول قلم في أول سنة لما شيلت مادتين و أنا عمري ما شيلت فى حياتي أصلاً .. و مع ذلك ده مكنش قلم و مقصرش فيا خالص -أنا شبح بطبعي- و طبعاً الدنيا معجبهاش الكلام ده .. و قالتلي مش انتا شايف نفسك جامد، أنا هوريك !
و قد كان ...
خدت ضربة قسمتلي ضهري بمعنى الكلمة .. المرة دي مشيلتش مادتين .. لأاا .. أنا شيلت السنة كلها ...
مُتخيل يعني إيه واحد عُمره ما سقط فى حياته جي يسقط لما دخل هندسة .. اه نسيت إن ده الطبيعي .. بس مش بالنسبالي و لا بالنسبة لعيلتي !!
عارف يعني تبقى راجل كده -شَحط زي ما بيقولوا- و تقعد فى اوضتك تعيط على خيبتك و بدل ما أبوك يلطشك قلمين يفوقوك من الغيبوبة اللي انتا فيها من ساعة ما دخلت الكلية، يطبطب عليك و ياخدك في حضنه و يقولك "متزعلش يابني .. قدّر الله و ما شاء فعل .. الحمد لله على كل حال .. أكيد ده الخير .. و دايماً الناس اللي بتقع فى أول حياتها بيقوموا و بيبقوا من العظماء"
' بس أنا ما وقعتِش .. أنا فَشَلت'
"الفشل يابني إنك تبطل تحاول .. إنك تستسلم من أول قلم .. إنك متقومش و تتعلم من أخطائك .. أنا ميهمنيش في الدنيا دي حاجة غير إنك ترجع محمد زي الأول و أحسن و متخليش مطب في نص الرحلة يوقفك و يخليك متكملش .. مش انتا اللي تستسلم .. أنت مربيتكش على كده .. ارجع لربنا و اشكره إنه فَوّقَك من الغيبوبة اللي كنت فيها و ادعيله يقويك .. ربنا يفتح بصيرتك يابني"
مشوفتس ولا هشوف أب زي أبويا .. دايماً بيخليني أشوف الجانب الإيجابي فى كل اللي بيحصلي .. حتى لو مرض .. زمان لما كنت اتعور كان يقولي: "قول الحمد لله .. ربنا بيحبك .. ربنا بيشيل من عليك ذنوب بالتعب ده" اقوله إزاي يعني ؟! يقولي *إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه* ربنا يبارك في صحته و يطول في عمره ..
فضلت فترة جامدة مكتئب جامد ..مع إني عمري فى حياتي ما اكتئبت..  بس اهو اللي حصل بقا.
مكنتش بتقبل كلام من حد غير والدي و حد عزيز عليا تاني .. والدتي كانت مصدومة زيي و شِبه مُكتئبة و عشان كده مكنتش قادرة تواسيني و مكانش مطلوب منها بصراحة .. لإن أنا مستاهلش بعد اللي حصل ده !!
ربنا كرمني و بدأت اشتغل في مجال المبيعات و حبة حبة بدأت أفوق شوية من تأثير الصدمة و اتقبل الواقع -اللي أنا فرضته على نفسي- و بدأت اركّز في شُغلي و اتعلم على قد ما اقدر و فعلاً اتعلمت كتير جداً الفترة دي و على قد ما تعبت و اتسحلت على قد ما اتعلمت حاجات مكنتش هتعلمها في أي مكان تاني -عالأقل و أنا في السن ده- و بدأت اتنطط من شغلانة للتانية و هكذا ..
و كل ما اتعلم حاجة جديدة بفتكر " في قلب البلاء تكون الكرامات " ...
اللي حصل ده خلاني افوق و أبدأ ادور إيه دوري في الحياة دي ؟! لو مش لاقي هدف دلوقتي يرضيني يبقى أحقق الهدف اللي هيرضي أبويا و أمي و هيفرحهم .. مش أفضل تايه و بدور على هدف اجري احققه !!
اتعلمت معنى كلمة "الصديق وقت الضيق .. عشان ده أول وقت -فعلاً- أحس فيه بالضيق .. شوفت الصاحب اللي كان بيني و بينه بلاد و مع ذلك كان جنبي و ساندني .. شوفت اللي كان كل هَمُه إني مفضلش مُكتئب و اللي مفرحش بنجاحه و فِضِل جنبي .. اللي دايماً جنبي و بيزقني لقُدام .. اللي لما بسوق في العبط بيفوقني و يقولي "متستعبطش أنا براقبك و هراقبك" .. و شوفت اللي صاحبي اسماً بس و كان واقف بيتفرج عليا و شوفت اللي كان واقف شمتان و اللي امتنع إنه يساعدني .. شوفت كتير أوي والله ..
عرفت إني لازم أحمد ربنا .. إحنا كبشر بنشوف من منظور ضيق جداً يكاد يكون منعدم أصلاً .. بنشوف إن إحنا بس اللي واقعين و إن ربنا بيعاقبنا .. مين قال إن الإبتلاء عقاب ؟! الرسول -عليه الصلاة و السلام- قالنا إن الإبتلاء ده حُب من ربنا عشان يرفعنا درجات في الجنة .. و كمان قال صلى الله عليه وسلم: " عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانْ خَيرًا لهُ "
ربنا يجعلنا من المؤمنين حق الإيمان.

ورجعت افتكرت كلمة خالي .. "الدنيا مش وردي يا محمد"

Comments

Popular posts from this blog

أسئلة غير وجودية

"ما لي لا أقوى على أبسط مهامي اليومية ؟! ما لي أشعر بالكسل يسيطر على جميع أطرافي ؟! لم أكن -طوال حياتي- من المسوّفين و لم أتهاون يوم فيما يتعلق بعملي و لكن لا أدري ماذا أصابني ! ربما هو ملل من الحياة. و لكن كيف الملل و حياتي تتسم منذ نشأتي بعدم الإستقرار و التبدل من حال إلى حال في أقل من يوم ؟! ربما قد سئمت من الحياة -الغير مملة- التي أحياها. ربما هناك جزء مني يحتاج إلى الهدوء و الإستقرار الداخلي. ربما مللت لعدم وجود نظام يومي يتحكم في يومي. ربما أرهقني تفكيري العابث الذي يحلل و كأنما هو حاسب آلي. ربما هي روحي تستغيث بخالقها بعدما أهلكها البعد عنه. ربما هو يأس من عدم المحاولة. ربما هو الفراغ يعتصر النفس. هي أسئلة بلا إجابات و نُنصح بالابتعاد عنها لعدم الوقوع في حفرة الإكتئاب التي لا قاع لها ولا نهاية. و لكن ماذا يحدث عندما يرهقنا التفكير في كل الأمور كبيرها و صغيرها .. المهم منها و المتسم كل الإتسام بالتفاهة و العبث ؟! لا أدري و لكن شخصياً أصبحت ألاحظ تأثيرات هذا التفكير و ما يعود به عليَّ هذا الوقت الضائع فيما لا أجد له سبباً و  لاسبيل للنجاة منه. أصبحت أتأثر بأقل ال

من أنا ؟!

كلما بدأت فى كتابة ما يدور بخاطري لا أنفك أمحو كل ما كتبته يدي و كأنني كتبت طلاسم سحر أسود ستقضي عليّ إن بقيت. لا أدري ما سبب ذلك ولا أعلم كيفية التخلص من هذه الحال التي لا أجد لها مُسمى ولا تفسيراً منطقياً. هل فقدت قدرتي على التعبير أم أنني لم أعد أستطيع البوح بما فى داخلي و اعتنقت مذهب السكوت و غرقت فى بحور الصمت أم أن الأحداث التي مررت و مازلت أمر بها تجبرني على ذلك؟! و لكن منذ متى و أنا انحني أمام الصعاب ؟! منذ متى و أنا ضعيف الإرادة بهذا الشكل ؟! منذ متى هذا التشتت و الإجهاد العقلي من كثرة التفكير فى كل الأمور صغيرها قبل كبيرها ؟! أشعر أنني شخص آخر غيري. شخص لا ينتمي إليّ ولا أعرف عنه مقدار أُنملة. شخص يتفنن في إشغال وقته بكل السبل الممكنة حتى لا يتسنى له الوقت للجلوس مع نفسه و التأمل فى الماضي و التخطيط للمستقبل. " من أنا؟! " سؤال لا ينفك يتردد في أذني و أسمع صداه في كل رأسي و أركان قلبي. ألمٌ يعتصرني ولا أقوى على مواجهته. الفشل .. شبح يطاردني أم صديق يجالسني ؟! أسئلة متكررة لا أبحث لها عن إجابات حتى لا ينتهي بي الأمر فى قاع حفرة الإكتئاب وحيداً شريداً بلا مأوى

فَكَانَ خَيْرًا لَهُ

عارف لما تعمل zoom على حتة معينة في صورة .. بتشوف إيه ؟! بتشوف الحتة اللي انتا عامل عليها zoom بس .. ده بالظبط نفس حالنا - او حال معظمنا- لما بنقع في إبتلاء شديد شوية .. بنبدء نشوف الدنيا ضلمة و إن إحنا بس اللي حالنا كده و كل اللي حوالينا مش بس كويسين .. لأ .. دول في أحسن حالاتهم كمان و يبدء صدرنا يضيق و نتخنق و يبدأ الشيطان و النفس يشتغلوا .. "إشمعنا أنا ؟!" "ليه كده ؟!" مع إن كل دي أسئلة إجاباتها معروفة .. الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال : " عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ ! إِنْ أَص َابَتهُ سراء حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَهُ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ احْتَسَبَ وَصَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " ... و في رواية أخرى : " عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ ، لا يَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ قَضَاءً إِلا كَانَ خَيْرًا لَهُ " ... لو الواحد يصبر و يحتسب هيبدأ يشوف الصورة كاملة تاني و يعرف إن ده الخير بلا شك و إنه حصل لحكمة يعلمها الله -عز وجل- . قالوا زمان .. " الصبر مفتاح الفرج " الجملة دي مش من فراغ و الله. ربنا يجعلنا من